العم نمر.. رمز المقاومة والحرية

لم يترك، العم نمر، أكبر المحاربين القدامى سناً في ثورة روج آفا أرضه، وحارب بحزم في خنادق القتال، وبهذه الطريقة سلط الضوء على واقع الشعب المقاتل.

مقاومة كوباني التي تعتبر ملحمة كُتبت من خلال أبطال شجعان وفدائيين، وأحد رموز هذه الملحمة هو العم نمر، وعلى الرغم من تقدمه في السن، إلا انه لم يترك أرضه وأصبح رمزاً يمثل روح كوباني.

كانت الأرض التي عاش فيها جزءاً من حياته، حيث تتدفق فيها ذكرياتها كالنهر، واختار الانضمام إلى المقاومة رغم كبر سنه وحالته الصحية للوقوف في وجه قوة داعش الظلامية وبناء مستقبل لأبنائه وأحفادها، والتحق العم نمر بخنادق القتال بإيمان قوي، حيث كان الإصرار في عينيه والعزيمة الراسخة في قلبه مصدر إلهام للجميع، وبقي جنباً إلى جنب مع أبنائه، وأصبح جزءاً من مقاومة الروح والعائلة والمجتمع.

تردد صدى نضاله

لقد كان وجود العم نمر خلال أصعب لحظات الحرب مصدراً هائلاً للروح المعنوية، فهو لم يمثل نفسه فقط، بل كان يمثل أيضاً الأواصر الاجتماعية والقيم الإنسانية العميقة، وقد قال في الأيام القاسية للمقاومة 'سأقاوم في أرضي'، مبيناً أن النصر حقيقة يمكن تحقيقها بالإرادة والتضامن، فكلما كان العم نمر يقف في خنادق القتال، كان يحيي ذكريات الماضي، وجعل الأجيال الشابة أكثر شجاعة، عندما رأو كيف يقاوم ولا يتخلى أبداً عن المقاومة، وتردد صدى رغبته في خوض النضال لدى كل المجموعات والأفراد، وأصبح نوراً من الأمل لمستقبل كوباني.

بعد أن تعرّف على القائد عبد الله أوجلان

وتطرق المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب (YPG) في بيانه الصادر بتاريخ 14 تشرين الأول الجاري، والذي أعلن فيه استشهاد العم نمر، بالحديث عن ولاء العم نمر للنضال التحرري الكردي، ووُلد العم نمر (خليل عثمان حمه) عام 1950 في قرية دهبة التابعة لكوباني، كان الابن الوحيد للعائلة، ونشأ منذ طفولته في بيئة ذات مشاعر وطنية عالية، وأثناء عمله في الزراعة، اعتقله نظام البعث في شبابه ثلاث مرات بسبب اهتمامه بالسياسة، وبعد عام 1980، تعرّف على القائد عبدالله أوجلان وعمل كمناضل وطني نشط وسائر على خطى حركة التحرر الكردية، ورغم كل الضغوطات التي مارسها نظام البعث، لم يتراجع عن موقفه.

ثورة وحرب روج آفا

قام بتربية أولاده الستة بمشاعر وطنية، وشارك هو وعائلته في جميع مجالات حركة التحرر الكردية، ولم يتراجعوا حتى في أصعب الأوقات، وبعد أن بدأت ثورة روج آفا واندلعت الحرب، انخرط في الأنشطة العسكرية والاجتماعية على حد سواء، وعلى الرغم من الظروف الصعبة والإمكانيات المحدودة في السنوات الأولى للثورة، إلا أنه عمل في العديد من المجالات، وخاصة في تنظيم الشعب، وكان من بين أولئك الذين شاركوا في الاستعدادات قبل المقاومة الكبرى في كوباني.

هجوم داعش على كوباني

كثف مرتزقة داعش هجمات الاحتلال بشكل متزايد في العام 2014، واتجهت مرتزقة داعش نحو كوباني بدلاً من دمشق بجهود وتشجيع من الدولة التركية، وواجه تنظيم داعش، الذي كان يحتل كل مكان يشن الهجوم عليه، مقاومة الشعب الكردي في كوباني، حيث كانت كوباني هي المكان الذي بدأت فيه ثورة روج آفا وأصبح المكان الذي بدأت فيه نهاية داعش، وقد كان هناك أشخاص في كوباني مثل العم نمر من الذين لم يتنازلوا عن وطنيتهم، ودخلت المقاومة التي قادها مقاتلو وحدات حماية الشعب (YPG) ومقاتلات وحدات حماية المرأة (YPJ) في التاريخ كحرب شعبية.

حارب منذ اليوم الأول

انضم العم نمر إلى المقاومة منذ اليوم الأول، وعلى الرغم من كل إصرار المقاتلين، لم يغادر المدينة، ولم يتردد في خوض النضال حتى النهاية من أجل الأرض التي وُلد فيها مهما كانت الظروف، وقد أُصيب ثلاث مرات خلال المقاومة التي سُطرت في قرى بوراز وجارقلي وكري سيفي الواقعة في جنوب كوباني، وعاد العم نمر، الذي أصيب في ذراعه وساقه بعد 45 يوماً من بداية هجمات داعش على كوباني في خريف عام 2014 إلى كوباني قبل أن يكمل علاجه في مستشفى بمنطقة برسوس التابعة لمدينة رها في شمال كردستان وواصل نضاله في خنادق المقاومة، وعلى الرغم من أن هذه الإصابة، إلا أن نار المحارب في روحه لم تُطفئ أبدًا، بل على العكس، كان كل جرح من جراحه يقوي رغبته في خوض النضال؛ فقد كانت تشير إلى مدى ثقته وقدرته على القتال، وقد أصبحت ذراعه الجريحة شارة لهويته القتالية، لكنه لم يشعر أبداً بأي انتقاص، فقد أصبح جزءاً لا يتجزأ من القصة الكبيرة للحرب، وتحول إلى أيقونة للمقاومة والحرية.   

كان التعبير عن واقع كوباني

انجذب انتباه الصحفيين الذين توجهوا فيما بعد إلى خنادق المقاومة، على الفور إلى العم نمر، والآن شهد العالم كله واقع العم نمر وأي نوع من المقاومة التي كان يخوضها في كوباني: "نحن نريد طرد هؤلاء الحثالة من أراضنا، وأنا وأثنين من أبنائي منخرطين في ذلك، لم أرى أبنائي منذ شهر مضى، ولا أعرف ما الذي جرى لهما وأجهل مصيرهما، فليأت جميع شباب كوباني الشجعان والشرفاء ويحرروا مدينتهم من المرتزقة".

ارتقى ابنه عثمان إلى مرتبة الشهادة

خاض النضال مع أبنائه حتى اللحظة الأخير في المقاومة، واستشهد ابنه عثمان خلال هجوم مرتزقة داعش على كوباني في حزيران 2015، ولم يستكين العم نمر على الرغم من إصابة إحدى ذراعيه، فقد شارك في الأنشطة الثورية حتى بعد مقاومة كوباني، وناضل من أجل شعبه حتى الرمق الأخير. 

كان مثالاً للوطنية

لقد كان رمزاً من رموز المقاومة في كوباني ووطنياً مثالياً، وعاش بمشاعر وطنية خالصة، وكان يرى في النضال من أجل حرية الشعب الكردي على أنه سبب الوجود، ولم يستكين، ولم يعترف بالعقبات، وكتب كل لحظاته في صفحات من قصة الحرية، وأصبح رمزاً لمقاومة الثقافة الأرض التي عاش فيها، وإن التضحية التي قدمها من أجل شعبه وأرضه، والنضال الذي خاضه في سبيل ذلك، خلق قصة مقاومة مشرفة للمجتمع، وسيبقى العم نمر حياً في الذاكرة كإرث بتفانيه، وسيظل ينبض في قلب كوباني بروح المقاومة، وسيمتلئ كل قلب بعزيمة العم نمر.

وتُوفي العم نمر في 14 تشرين الأول 2024 عن عمر ناهز الـ 74 عاماً إثر نوبة قلبية، ووُري جثمانه الثرى بمراسم جماهيرية حاشدة يوم 15 تشرين الأول في مزار الشهيدة دجلة في كوباني.